قصة بعنوان ( سامحيني ..اعذرني لان اغضبكي بعد اليوم )

* بسم الله الرحمن الرحيم *

مسكينة...

تبدو على وجهها خطوط الزمن..وتجاعيد الأيام ،كم حملت على ظهرها هموم العمر حتى غدا منحنيا كالعرجون القديم..

دخلت غرفتها القديمة ..كل شئ فيها قديم..

السرير ..الغطاء ..الثياب ..المبخرة ..الطيب ..

كل شئ قديم ..حتى هي قديمة ..

استلقت على السرير وأطلقت من صدرها زفرة ..حدثت نفسها ..

" رحمك الله يا أبا سامي تركتني وحيدة في هذا الزمن العاق مع هذا الابن العاق أه..أه.."

لو تعلم ماذا يفعل ابنك بأمه أتذكر يا أبا سامي كم تعبت في حمله تسعة أشهر ..

كلها ألام وتعب .. ووهن وضعف ثم وقت الولادة كخروج الروح من الجسد..

يا أبا سامي.. أتذكر فرحتنا بولادته ؟ كم رجونا الله عز وجل أن يكون صالحا ؟

أتذكر كم كنا نجوع لنطعمه ؟ ونعرى لن**وه ؟ لقد كنت تلبي جميع طلباته الكثيرة ..

رحمك الله .. لقد كنت حنونا يا أبا سامي .. "ومن مثلك يحن علي الان ..أنا بحاجة الى حنانك ..

وبينما كانت الأم مقهورة ..تتذكر أيامها السعيدة ..فتح الباب بشدة .."اغسلي ثوبي فثوبي متسخ "..

"اني متعبة يا بني ..سوف أغسله لك غدا ..ان شالله ..

امسك بيدها ،أوقفها بالقوة ونهرها ..وكانت سريعة الدمعة "ألاتكفين عن البكاء "؟؟

قالت : وهي تخفي دمعتها "هات ثوبك يا سامي ..سوف أغسله الان يا بني "..الله يرضى عليك..

دمع عيناها يتساقط على الثوب العقوق ..تخرج من قلبها زفرات ومن صدرها أهات ..

لسانها يتحرك ..حسبي الله ونعم الوكيل ..حسبي الله ونعم الوكيل ..

سوف أدعو عليه دعوة تفتح لها أبواب السماء..

دعوة أم ..مظلومة ..ليس بينها وبين الله حجاب ..دعوة تفسد على العاق دنياه واخرته..

..لسانها يتوقف ..فقلبها حنون..تمسح دمعتها ..فتبلع غصتها ..تتمتم في خشوع..

"الله يهديه ..الله يهديه"

أما هو فدخل غرفته كالشيطان ثم أقفل الباب بقوة ..فدوى صوته في أركان البيت ..

استلقى على ظهره وراح يغط في نوم عميق..

وابتدأ شريط الأحلام ..حلم بأن أمه قد ماتت..

الناس يعزونه ..وهو غير مصدق دموعه كالسيل..

يحملونها الى المقبرة ..الناس كثيرون يشيرون اليه ..يتمتمون ..لقد ارتاحت من هذا الابن العاق ..

"من ينزلها الى قبرها "؟

تقدمت ..طردوني ..ابعدوني..,اترك الجنازة ..طردوني خارج المقبرة وأخذوا يطردوني ويبعدوني الى الخارج المدينة..الى خارج الدنيا..

قمت من نومي مذعورا ..صرخت..

لا تموتي ..وارفقي بي ..يا حبيبتي يا أمي ..يا أمي..

انظريني ..اعذريني ..سامحيني..أمهليني يا حنونة لا تموتي ..وانظري ماذا سأفعل سأقبل رأسك الحاني علي..

سوف ألثم هذين القدمين ..كم جزيتم بعد وهنكم ألوان العقوق ..كم صرخت بوجهك الصافي الرقيق..

كم تكلمت على ذلك القلب الشفيق ويح نفسي ..ما أفظع ذنبي ..أعذريني ..سامحيني ..

قبل ما تلقين ربي سوف تنسين الدموع الحارقة سوف تنسين يدي الخاطئة ..سامحيني..ارضي عني..

بالله عليكي سامحيني..

لن تلاقي اليوم ضربا أو عذبا ..

لن تلاقي شتما أو سبابا ..

لن أقول اليوم ..أف..أف..

سأصلي -صدقيني -سأصلي..

سوف أمضي للصلاة سأصلي يا حياتي ..

صدقيني سأصلي..

سوف اخذ مصحفا ..اتلو عليك ..فيفيض الدمع من مقلتيك..

اشتميني..

اقتليني ..اطرديني..نظرة منك ترد الحياة لروحي..

مزقيني ..واشنقيني..

لكن ..قبل ذلك سامحيني..

لاتموتي..لا تموتي..

لاتموتي..

تدخل الأم باكية ..تفتح الباب ..الثوب بيدها ..تصرخ..سامي ..سامي..

"سامحيني ..حبيبي ..أنا لم أمت"لم أمت يا بني ..

ما أعظم هذا القلب ..كم قسوت عليه ويبادلني الاساءة بالاحسان ..أماه..أماه..أنت أمي سامحيني فالله هداني..

لن أترك طريق المسجد ..لن أرفع صوتا عليك..لن أنظر نظرة سوء اليك..بالله سامحيني ..فالموت قادم ..الموت قادم..